حفنى بك ناصف
الكتاب: المنتخب من أدب العرب (الجزء الأول)
حفنى بك ناصف
قال يخاطب ناظر الحقانية وقد نقله إلى ((قنا)):
- رقيّتني حساً ومعنى فلصنعك الشكرُ المثَنّى
- وجعلتَ رأس الحاسد ين بمصرَ من قدميّ أدنى
- وجعلت سُدةَ منزلي من أسقف الهرمين أسنى
- أسكنْتَني في بقعةٍ فيها غدوتُ أعزّ شأنا
- أرِد المشارعَ سابقاً والسبْقُ عند الوِرد أهنا
- وأزور آثار الملو ك وكنت قبلُ بها معنّى
- يلدٌ إذا حلّت به قدماك قلتَ حللتُ حصنا
- جبلُ المقطم حوله متعطف كالنون حسنا
- هيهات أن يصل العدوّ له ويدرك ما تمنّى
- قالوا شخصت إلى قنا يا مرحباً بقنا وإسنا
- قالوا سكنتَ السفح قل تُ وهل يرد الحرَّ قِنّا
- سرُّ الحياة حرارةٌ لولاه ما طيرٌ تغَنّى
- كلا ولا زهرٌ تبس م لا ولا غصنٌ تَثَنَّى
- تتدفق الأنهار من حَرّ وتزجى الريح مُزنا
- ها قد أمِنتُ البردَ وال بُرَ داءَ والقلبُ اطمأنا
- ووُقيتُ أمراضَ الرطو بة واستراق الريح وهنْا
- ألقَى الهواء فلا أها بُ لقاءه ظهراً وبطنا
- وأنام غيرَ مدثَّرٍ شيئاً إذا ما الليل جنّا
- قد خفّت النفقاتُ إذ لا أشتري صوفاً وقطنا
- وفّرتُ من ثمن الوقو دِ النصفَ أو نصفاً وثمنا
- فالشمس تكفل راحتي فكأنها أمي وأحنى
- فإذا بدت لي حاجة في الغسل ألقي الماء سخنا
- أو رمتُ طبخاً أو علا ج الحبز ألقى الجوَّ فرنا
- سكنَى القرى تَدع السفيهَ موكّلا بالمال مضنى
- أيُّ الملاهي فيه يص رف مالَه ومتى وأنَّى
- كل امرىء تلقاه مِن بعد الظهيرة مستكنا
- ويرى الغريبُ السعرَ أي سرَ حالةً وأخفّ غَبنا
- يجد الحليب بعينه لبناً ويلقَى السمن سمنا
- عش في القرى رأساً ولا تسكن مع الأذناب مدنْا
- ودع الجزيرةَ والمها والجسر والظبي الأغنا
- واسلُ الأغاني والغوا ني واسأل الرحمن عدنا
ولما أشرف على الإحالة على الماعاش ببلوغ الستين- كتب إلى المرحرم حسين رشدي باشا- وكان يومئذ رئسا للوزارة- يسأله أن يمد في أجل خدمته- في مفاكهة غاية في الظرف والرقة:
- صاحب الدولة يا شيخ الوزارة حاجتى إن شئت تقضى بأشارة
- نالها قبلى ألوف لم أكن دونهم علماً ولا أدنى أدارة
- ناهز الستين عمرى إنما لم أزل جم القوى جم الجدارة
- وإذا لم يشك مثلى علة هل من الحكمة أن يلزم داره
- إن تركى خدمة الأوطان مع طول ما مارست فى الدنيا خسارة
- وحياتى كلها قضيتها تارة فى العدل والتعليم تارة
وقال يتحسر على ضياع علمه بموته:
- أتقضي معي إن حان حينى تجاربي وما نلتها إلا بطول عناء
- وأبذل جهدي في اكتساب معارف ويفني الذي حصلته بفنائي
- ويحزنني ألا أرى لي حيلة لإعطائها من يستحق عطائي
- إذا ورث الجهال أبناءه غنى وجاها فما أشقى بني العلماء
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء