في بني سعد

الموضوع: في بني سعي
الكتاب : مختارات من أدب العرب الجزء الأول
لأبي الحسن علي الندوي



كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله التي أرضعته تحدّث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شسئا، قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبضّ بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذى معنا، من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغديه (قال ابن هشام): ويقال يغذيه ، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليه رسول الله ، فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول يتيم ، وما عسى أن تصنع أمه وجدّه ، فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ، ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه ، قال : لاعليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة ، قالت : فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره قالت : قلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بخير ليلة ، قالت : يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي والله ياحليمة؟ لقد أخذت نسمة مباركة ، قالت : فقلت والله إني لأرجو ذلك ، قالت : ثم خرجنا وركبت أتاني وحملته عليها معي ، فوالله لقطعت بالركب ما يقدرعليها شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي ياابنة أبي ذؤيب ! ويحك اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي ، فيقلن : والله إن لها لشأنا ، قالت : ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح عليّ – حين قدمنا به معنا شباعا لبّنا فنحلب ونشرب ، وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعبانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح اغنامهم جياعا ما تبضّ بقطرة لبن ، وتروح غنمي شباعا لبّنا فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته ، وكان يشب شبابا لايشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتية حتى كان غلاما جفرا ، قا لت فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ، لما كنا نرى من بركته ، فكلّمنا أمه وقلت لها : لو تركت بنيّ عندي حتى يغلط ، فإني أخشى عليه وباء مكة ، قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا ، قالت : فرجعنا به فوائد إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتدّ فقال لى ولأبيه : ذاك أخى القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، قأضجعاه ، فشقّا بطنه ، فهما يسوطانه –
قالت : فخرجت أنا وأبوه نحوه ، فوجدناه قائما منتقعا  وجهه - قالت : فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا له : ما لك يا بني؟! قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقّا بطني ، فلتمسا فيه شيئا لاأدري ما هو. قالت  فرجعنا به إلى خبائنا ، قالت : وقال لي أبوه : يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب ، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به. قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه ، فقالت : ما أقدمك به يا ظئر؟ وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك. قالت : فقلت : قد بلغ الله يابني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه ، فأدّيته إليك كما تحبين٠ قالت : ماهذا شأنك فاصدقيني خبرك. قالت : فلم تدعني  حتى أخبرتها. قالت : أفتخوفت عليه الشيطان. قالت : قلت : نعم. قالت : كلا والله ، ماللشيطان عليه من سبيل ، وإن لبنيّ لشأنا ، أفلاأخبرك خبره. قالت : قلت : بلى. قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به ، فوالله مارأيت من حمل قط كان أخفّ عليّ ، لاأيسرمنه٠ ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك ، وانطلقي راشدة-

شكرا لتعليقك